تعرف على الزراعة في القدس ايام العصر المملوكي؟؟

تعرف على الزراعة في القدس ايام العصر المملوكي؟؟




كانت الزراعة في القدس في العصر المملوكي مزدهرة للغاية، ويأتي شجر الزيتون على رأس قائمة الأشجار المثمرة التي كانت تزرع في القدس، فقد كان منتشراً بكثافة كبيرة على سفوح المدينة وحوافها على جانبي التلال الصخرية الممتدة حول أطراف المدينة نفسها، وكذلك كثرت أشجار الزيتون في الجبال المحيطة بها، وقد لفتت أنظار كثير من الرحالة الغربيين الذين زاروها في تلك الفترة.
ومن الأشجار المثمرة القديمة في بيت المقدس أيضاً أشجار الكروم، وقد ورد ذكرها عند كثير من الرحالة الذين زاروا البلاد منذ القرن الرابع الميلادي وحتى القرن السادس عشر الميلادي، ونخص بالذكر من تلك المناطق التي كانت تزرع بالكروم المنطقة التي تقع إلى اليسار من وادي القدرون، والتي يحدثنا عنها مجير الدين بقوله: "وبظاهر القدس الشريف من كل جهة كروم بها من أنواع الفواكه من العنب". ويصفها أحد حجاج بيت المقدس بقوله: إن كرمة العنب كانت تحمل ما بين ثمانية أقات من العنب إلى تسع أقات، وكانت أشجاره مزروعة بكثرة بطول ذلك الوادي الذي يبلغ طوله حوالي الميل. كذلك يؤكد الرحالة "كازولا" ذلك بقوله: "رأيت العنب كبيراً جداً، أكبر مما قد رأيت في بلادنا وأفضل بكثير مما لدينا". ويؤكد الرحالة "بيركارد" الذي عاش هناك عام 1280م بقوله: "وهناك كثير من أشجار الكروم، ولكن المسلمين الذين يحكمون البلاد لا يشربون النبيذ ما عدا القليل منهم سراً، ولكن البعض منهم والذين يعيشون بالقرب من المسيحيين، يزرعونه لكي يستفيدوا من بيعة لهم". كما يؤكد "دي لابرو كيير" الذي زار المدينة سنة 1432 هذه الحقيقة أيضاً.
وكذلك وجدت أشجار التين بكثرة، لكنها ليست بالكثرة التي تمتعت بها أشجار الكروم، هذا فضلاً عن أشجار الجوز والتوت والتفاح والليمون و المشمش والرمان والليمون الحلو والبرتقال والفستق بكميات كبيرة. ويروى ياقوت نقلا عن المقدسي في وصفه لفاكهة بيت المقدس أنه "جمع الله فيها فواكه الأغوار والسهل والجبل والأشياء المتضادة كالأترج واللوز والرطب والجوز والتين والموز"، هذه الفاكهة التي يقول عنها "كازولا" إنها أكبر من أى فاكهة رآها في بلاده. هذا بالإضافة إلى نخيل البلح، وإن كان مجير الدين يؤكد لنا أنه في داخل المدينة نفسها لم يكن بها سوى ثلاث نخلات: منها واحدة كانت عند المسطبه التي إلى جانب سبيل السلطان غربي الصخرة والتي لم يعد لها وجود بعد عام 800هـ، واثنتان ظلتا إلى عهده، إحداهما عند باب الرحمة والثانية قبلي صحن الصخرة ، والتي تعرف بنخلة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قيل: إنه رؤي هناك.
ومن الأشجار التي زرعت في القدس، شجرة القطن، ويروي الرحالة "بيركارد" أن القطن كان يزرع في مناطق معينة، وأن طول الشجرة كان يبلغ طول ركبة الإنسان، ويزرع سنوياً، وأن أوراق القطن كانت تشبه أوراق العنب ولكنها أصغر منها. ومما يؤكد أن القطن كان يزرع طوال عصر سلاطين المماليك ما يرويه الرحالة كازولا أنه أثناء توجه الحجاج من يافا إلى بيت المقدس شاهدوا كثيراً من أشجاره وهي مزدهرة بالقطن والذي كان قد تمَّ نضوجه في ذلك الوقت. كما تشير بعض المراجع إلى أن القطن كان من المحصولات الهامة في القدس في عهد المماليك، وذلك نظراً لإقبال الغربيين وبخاصة الحجاج على شراء المنسوجات القطنية.
أما عن المحاصيل الزراعية الأخرى، فإن المحصول الشائع في تلك الأراضي وبخاصة المرتفعة منها كان هو الشعير، والذي يقول عنه الأب سوريانو إنه كان أكثر انتشاراً في الأرض المقدسة من القمح، هذا بالإضافة إلى الفول والبصل والكرنب والخضروات. كذلك يؤكد الرحالة بيركارد أن الأرض المقدسة تميزت بالخصوبة ولهذا فإن القمح كان يجود بها بشكل كبير، وهو يزرع ويحصد دون عناء كبير، فضلاً عن عدم احتياجه لكثير من مياه الري. كذلك اشتهرت مدينة القدس بإنتاجها قصب السكر، منذ القرن العاشر الميلادي وطوال العصور الوسطى. ويصف الرحالة بيركارد طريقة جمع هذا المحصول لاستخدامه في صناعة السكر، بأنه كان يجمع عن طريق تقطيعه طولياً بما يساوي نخله ثم يحمل إلى المعاصر حيث يتم عصره.
كذلك من المرجح أن تكون زراعة البيلسان موجودة في بداية عهد المماليك حيث كان ينبت قرب بيت المقدس في القرن الثامن عشر وبكميات وفيرة، وربما كان يصدر إلى الخارج، وذلك لأنه كان يستخدم في أوروبا في طقوس الكنيسة، وصار لما يرد من الأرض المقدسة مكانة خاصة، هذا بالإضافة إلى بعض الأعشاب الطبيعية الأخرى. يضاف إلى ذلك الكتان والذي كان يستخدم في صناعة الملابس الكتانية.
أما عن الحيوانات والآلات التي استخدمها الفلاحون في ذلك الوقت، فتشير المراجع أن الوسائل المستخدمة لم تتغير على مر الزمن، ومنها ما هو سائد حتى الآن، مثلما كان يتم عند جمع الزيتون من الأشجار حيث يضرب الزيتون بقطعة من الخشب حتى يتساقط ويتم جمعه بعد ذلك، كذلك كان الفلاح يستخدم في حرثة للأرض محراثاً خشبياً يجره ثور وحمار، وأحياناً كان يستخدم البقر أو الجاموس في جر المحراث. وتشير المراجع إلى أن الحمير كانت تشكل بالنسبة للفلاح في ذلك الوقت أهم الممتلكات التي يحرص عليها، فعليها يحمل أثقاله فضلاً عن قيامها بالعمل في الحقل إلى جانب كونها كانت تستخدم في التنقل إلى الأماكن البعيدة للحمل أيضاً، نظراً لطبيعة البلاد الصخرية، كذلك كان لدى أهل بيت المقدس أعداد كبيرة من الحمير استخدموها في تنقلاتهم الداخلية، فضلاً عن قيام الكثيرين منهم بتأجيرها للحجاج المسيحيين الغربيين ليستخدموها في تنقلاتهم داخل الأراضي المقدسة. ويروي الرحالة سيرجون مانديفيل الذي زار القدس عام1322 أن البقر والجاموس في فلسطين بدرجة عامة كان قليلاً ولذا حرص الفلاحون على الاستعانة بهما في الزراعة، ونادراً ما كان يتم ذبحهما وأكل لحومه.

ليست هناك تعليقات: