التقلبات الجوية؟؟

التقلبات الجوية؟؟



بدأ اهتمامُ الإنسانِ بالجوِّ وتقلّباتهِ من قديم الزَّمنِ ، خُصوصاً بينَ الرُّعاةِ والملاّحين وأمثالِهم مِمَّنْ يتأَثرُ عملهم بالتّقلّباتِ الجويةِ . وقدْ ولدت فيهم التغيُّراتُ الطبيعيةُ القُدرةَ على التّنبؤ بالأجواءِ المحليّةِ ، فكانوا يَرْصِدونَ الحالةَ السائدة للجوِّ . وبوساطة تلكّ المُشاهدات المبنيَّة على طولِ المرَانَ ، وعلى قَدْرِ من الخبرةِ، استطاعوا أنْ يُكوِّنوا فِكرةً عن التغيُّرات الجويةِ المنتظرةِ.

ولا تزيدُ الطرقُ الحديثةُ عن ذلك إلاَّ بما امتازت به من استخدامِ النظرياتِ العلميةِ ، وانساع عملياتِ الرصدِ اتساعاً وَسِعَ سطحَ الأرض بأكمله ، فبدلاً من أنْ يقتصرَ المُتنبىءُ الجوي على ما يحيطُ به من ظواهرَ ، أصبحَ يعتمدُ على خرائطَ تحوي وصفاً شاملاً ، وقياساتٍ دقيقةً لعناصرِ الجوِّ على معظمِ سطحِ الأرضِ ، وفي أجوائها العُليا ، وبدلاً من أن يركن في أعمالهِ على الخبرةِ والقياسِ فقط ، أصبحَ يجدُ في متناولِ يدهِ ما يحتاجُ إليه من النظرياتِ العلميةِ السليمةِ ، والأُسُسِ الطبيعيةِ التي تُفسِّرُ تقلباتِ الجوِّ.

وتُعَدّ فترةُ ما بينَ الحرْبينِ العالميّتين ، الأولى والثانيةِ ، من الفتراتِ الهامة التي تطوَّر خلالها عِلمُ الرصدِ الجويِّ تطوُّراً كبيراً من الناحيتين: النظريةِ والتطبيقيّةِ. وكان من آثارِ تقدُّم الطيران التجاريِّ واستخدامهِ كوسيلة سريعةٌ من وسائلِ النقلِ والتجارةِ ، أن انتظمتْ عملياتُ الرصدِ ، وتنوَّعت الأجهزةُ وزادَ الاهتمامُ بالطبقاتِ العليا ، واستُخدِمتْ أَجهزةٌ عديدةٌ في غزوِ تلك الطبقات كالأجهزةِ الالكترونيةِ ، والصواريخِ ، وأجهزةِ الرادارِ(1) التي يُعدُّ استخدماها نقطةَ تحوُّلٍ خطيرٍ في علمِ الأرصادِ الجوية. وعِلمُ الرصدِ الجويِّ لا يخرجُ عن كونِهِ عِلمَ استنباطِ النُّظُمِ والقواعد الطبيعيةِ التي تخضعُ لها تقلباتُ الجوِّ ، وتسيرُ عليها ظواهرُها المختلفةُ.

وتُستنتجُ تلكَ القواعدُ والقوانينُ بتحديدِ عناصرِ الجوِّ في ساعاتٍ معيّنةٍ من كلِّ يومٍ ، وتوقِيعها على خرائط خاصةٍ ، هي خرائطُ التنبؤ الجويِّ ، ثمَّ ملاحظةِ أسبابِ تغيُّرِ هذه العناصرِ من آنٍ لآخرِ . وبهذا يُمكنُ وضعُ أساسِ التنبؤ الجويِّ، فإذا عُرفتْ أسبابُ ظاهرةٍ جويةٍ خاصةٍ ، وما سبقها من ملابساتٍ طبيعيةٍ ، أمكنَ غالباً التكهُّنُ بها قبل حدوثِها. تتم عمليات الرصد في أمكنة موزعة على سطح الكرة الارضية في بلدان العالم المختلفة وهذه الأماكن هي "محطات الرصد الجوي".


علم الارصاد الجوية:
علم الأرصاد الجوية meteorology هو بالتحديد «علم الظواهر الجوية»، أو «علم الأنواء»، ويمكن القول إنه علم فيزياء الجو، لاهتمامه بدراسة فيزيائية الجو وحركيته وكيمياويته، وما يتولد عن ذلك من أنماط وأشكال مختلفة من الحالات الجوية المترددة على هذا المكان أو ذاك في زمن معين.


وقديماً حدد أرسطو عام 350 ق.م في كتابه «ميتيورولوجيكا» Meteorologica مجال اهتمام هذا العلم بدراسة الظواهر الجوية وتبدلاتها التي تؤثر في حياة النبات والحيوان بعد الإنسان، والتي تتم في نطاق الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية.

وإذا كان غلاف الأرض الجوي يمتد حتى قرابة 1000كم، فإن علم الأرصاد الجوية لم يبلغ في معالجته العلمية ذلك المستوى الشاسع، وإنما اقتصر على الجزء من ذلك الغلاف الذي تترك فيه الظواهر الجوية آثارها على سطح الأرض بوجه مباشر أو غير مباشر. على أن تحليق بعض السواتل الصنعية الرصدية قد تم فوق ارتفاعات عالية وقدم الكثير من المعلومات عن الأجزاء العليا من الغلاف الجوي. وقد تطور ذلك الجزء الذي يوليه علم الأرصاد الجوية اهتمامه مع تطور وسائل رصد الأجزاء العليا من الجو وطرائقه، والكشف عن العلاقات بين ما يجري من ظواهر جوية عند السطح، وما يحدث من حركات جوية في الأجزاء المرتفعة، ولا سيما في طبقة الستراتوسفير، وما يحدث من تغيرات في كيمياوية تلك الطبقة وما فوقها. ذلك أن 0.9 من كتلة الجو تتركز في الكيلومترات الستة عشر الأولى القريبة إلى سطح الأرض، في حين يتركز 0.99 من كتلة الجو دون 35كم.

وهكذا يتبين أن المجال الذي يحظى باهتمام علم الأرصاد يكاد يتحدد بطبقتي التروبوسفير والستراتوسفير (سماكة 55كم تقريباً)، وخاصة طبقة التروبوسفير (السطح 12 كم وسطياً).


ولا يتوقف علم الأرصاد الجوية عند إظهار حركية الجو وخصائصه الفيزيائية والكيمياوية، بل يتعدى ذلك إلى الكشف عن أنماط الجو وظواهره المتكررة في الزمان والمكان، وتحديد قيمها، وتفسير آلية نشأتها وتطورها، وتقدير ما ستؤول إليه الأحوال الجوية في المستقبل، فالتنبؤ الجوي اليوم جزء أساسي من اهتمامات علم الأرصاد الجوية. ولا يمكن عزل هذا العلم عن المناحي الحياتية المختلفة على سطح الأرض، لما تؤدي إليه أحوال الجو الآنية (الطقس) من تأثيرات مباشرة في النبات والحيوان والإنسان.


ولهذا كله انتشر فوق سطح الأرض الكثير من محطات الرصد الجوي المتنوعة الأغراض التي تقوم بقياسات لمختلف عناصر الطقس: درجة الحرارة والرطوبة، والضغط الجوي والرياح والتهطال والتغطية بالسحب وأنواعها والرؤية والتبخر وغيرها.




ليست هناك تعليقات: