من أين أتت الخلية الأولى إلى الأرض؟

 تكون الحياة على كوكب الأرض
د. عبدالغني حمدان



ليست الحياة على الأرض حتى لو نظرنا إليها من زاوية كونية حدثاً قريب العهد, فمنذ نصف مليار سنة كانت المحيطات تغص بأنواع كثيرة من الأحياء الحيوانية والنباتية المستعدة لغزو اليابسة,  وكان التركيب الضوئي  هو الآلية التي تتيح التقاط الطاقة الشمسية, لذلك كان لابد من دراسة عمر النباتات على الأرض .

تشير الأبحاث الجديدة  بأن عمر النباتات يعود إلى آلاف ملايين من السنين وذلك بخلاف الأبحاث السابقة التي قدرت الفترة بحوالي  أربع مائة وثمانين مليون عام, ومن  المحتمل أن تكون النباتات في ذلك الوقت رقيقة وبدائية بحيث أنها لم تترك أي أثر أحفوري في الصخور, ولكن وجودها ترك أثراً كبيراً على المناخ وتطور الحياة اللاحق, الذي نشأ من تناقص كميات ثاني أكسيد الكربون وارتفاع كميات الأوكسجين في الجو بما يكفي لتطور الحياة ومن ثم تنوعها ونموها.
وهكذا وجدت الحياة بالشكل الذي نعرفه لأنها تملك الشروط المناسبة من حيث توفر الأكسجين والماء والبعد عن الشمس .....

إذا نظرنا إلى الحياة من وجهة نظر علماء البيولوجيا, فإن وحدة الحياة الأساسية هي الخلية التي تؤدي مجموعة كبيرة من الوظائف, يقوم بكل منها بروتين خاص أو مجموعة من البروتينات المختلفة, حيث أن اختلاف البروتينات هو الذي يحدد نوع الخلية  عصبية أو خلية كبدية أو كرية  حمراء ....وكذلك يحدد آلاف الوظائف التي تقوم بها الخلية, والذي يخطط وينتج هذه البروتينات ,في كل خلية,هو شريط من DNA  الذي يحمل آلاف من الشفرات الوراثية , هذه المادة الموجودة داخل نواة الخلية ,في كل الكائنات الحية من أقلها بدائية مثل الفيروس إلى أكثرها تعقيداً مثل الإنسان, ويختلف طول هذا الشريط ووظائفه حسب الكائنات وتعقيدها حيث ممكن أن يحمل من 150 ألف شفرة وراثية إلى ثمانية آلاف مليون  شفرة.

لذلك فإن الفروق التي توجد في الطبيعة بين الأفراد والأنواع تنتج عن تغيرات أو طفرات في المادة الجينية الوراثية, فالطفرات تحصل باستمرار, ولكن بتواترات جد ضعيفة, حتى أن مورثاً معيناً يمكن أن لا يعاني سوى طفرة واحدة لعدة آلاف من الأجيال, إن هذه الطفرات الناتجة عن أخطاء في نسخ المواد الوراثية هي مصدر عدم الثبات الذي يؤمن بدوره الركيزة الأساسية للتطور بالاصطفاء الطبيعي, وهذا الذي أدى إلى ظهور الإنسان بعد مضي ملايين وملايين من سنين التطور ولا يعني أن مجيئه هو كمال التطور ولكنه ولأول مرة في تاريخ الأرض كان الاصطفاء الطبيعي قد صاغ عضوية حية قادرة على التفكير والتحليل.

من أين أتت الخلية الأولى إلى الأرض؟
هناك أكثر من نظرية حول بداية الحياة, والمعتقد السائد أنها قدمت من الفضاء الخارجي,إن  أهم النظريات تقول أنها قدمت على النيازك. يبني العلماء هذا الاقتراح من دراسة نيزكين هما (مورتشيسون) الذي عثر عليه الباحثون في أستراليا عام 1969, و (موراي)  الذي استخرج من عمق صخرة رملية في كندا يعود تاريخ نشوئها إلى مئة مليون سنة , ويعتقد أن النيزكين هما من بقايا جسم أكبر حجماً, وقد دلت الأبحاث أن تاريخ سقوطهما على الأرض يعود إلى مليارات السنين كما  أظهرت التحاليل أن النيزكين يحتويان على الكثير من الأحماض الأمينية , ونيزك (مورتسيشون ) يحوي أكثر من تسعين نوعاً من الأحماض الأمينية, كما عثر بهما وللمرة الأولى على مواد عضوية مسماة بوليولز وهي تسمية علمية لنوع من السكر, والسكر كما هو معروف أساسي للحياة لأنه يوفر هيكل المواد الكربونية للجزيئات( وهو موجود في DNA  ) والمواد الكربونية الأصل يمكن أن تتحول إلى مركبات تقوم عليها أشكال الحياة البدائية.

ومع اكتشاف آثار الجزيئات السكرية يكون مكوناً أساسياً من مكونات الحياة جاء من خارج الكوكب.
وفي نظرية جديدة من نظريات علماء الفيزياء الفلكية, إن جزيئات كانت تسبح بين أجرام سماوية تحولت إلى كتل بنيوية دبت فيها الحياة تدريجياً بتأثير الرياح الشمسية, لتقع بعد ذلك على الأرض في شكل ذرات غبار كوني, يعتمد العلماء في ذلك على تجاربهم المخبرية ,فقد قام فريق من العلماء في جامعة ياجيلونيان البولندية بتجربة مخبرية توصلوا بها  إلى أن الجزيئات البيولوجية يمكن أن تتشكل عندما يسخن الغبار الكوني بحزمة كبيرة من الضوء ذات الطاقة العالية.

لذلك ترجح هذه النظرية أن الحياة وصلت إلى الأرض من الغبار وليس من اصطدام نيزك بكوكب الأرض فالاحتمال الأكبر أن الغبار دخل إلى الغلاف الجوي دون أن يتعرض للاحتراق, حيث يمكن أن تتعرض أشكال أكثر تعقيداً للاحتراق عند اصطدامها بغلاف الأرض محمولة على متن نيزك.

وأخيراً أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا مسبا ر جناسس الذي لا يحمل رواد فضاء ,في مهمة طويلة الأمد لجمع الرياح الشمسية والغبار الكوني, وسيتوغل المسار باتجاه الشمس لمسافة مليون ميل حيث تفتح نافذة خاصة لجمع ما يمكن جمعه من الغبار الكوني ومكونات رياح الشمس وستغلق النافذة بعد ثلاثة أعوام لتعود إلى الأرض حاملة معها 20ملغرام من رياح الشمس .

يقدر وزن الغبار الكوني الواصل إلى الأرض من كواكب ونجوم بعيدة بنحو ثلاثة آلاف طن كل عام.
ويظل التساؤل حول كيفية تكون الحياة على الأرض كما نعرفها مفتوحاً في انتظار تقدم العلوم للإجابة الحاسمة عليه.



ليست هناك تعليقات: