السيادة الغذائية ام الامن الغذائي؟؟
ظهر
على ساحة النقاش العام مؤخراً مصطلح “السيادة الغذائية”، وازدادت الدعوات التي
تطالب باعتماده بديلاً عن المصطلح الأكثر شيوعاً وتداولاً وهو “الأمن الغذائي”.
ورغم تشابه المصطلحين في الإقرار بأهمية قضية الغذاء، إلا أنهما يختلفان بشكل
جوهري في كيفية تناول هذه القضية. يشغل موضوع الأمن والسيادة السياسيين
رؤساء الدول النامية الذين يحرصون على استمرار حكم أنظمتهم، بينما يبدو اهتمامهم
بالسيادة الغذائية هامشياً، وخصوصاً حين تفرض الدول الكبرى على الأخرى الصغرى
ثقافة الاستهلاك خطوةً أساسيةً نحو دخول العالم الجديد. لكن العالم الجديد يشهد
تحولات كبيرة، وعلى أكثر من صعيد. من هنا، يبدو الحديث عن السيادة الغذائية أمراً
هاماً.
ما
هو الامن الغذائي:
فالأمن الغذائي في الأساس يعني بتوفير كمية غذاء كافية لإشباع الحاجة
الأساسية للسكان، وقد يتسع في تعريفاته الأكثر شمولا فيشير إلى أهمية أن يكون هذا
الغذاء صحي وملائم.
ما
هي السيادة الغذائية:
أما مفهوم “السيادة الغذائية”، فيتميز عن مفهوم الأمن
الغذائي بأنه لا يتعامل فقط مع مسألة توفير الكمية الكافية للغذاء، وإنما يوفر
رؤية بديلة ومتكاملة لتأمين الاحتياجات الغذائية. وتعتمد تلك الرؤية على مبدأ حقوقي
بان يكون لمنتجي الغذاء المباشرين، من صغار المزارعين والصيادين والرعاة، الحق في
تحديد منظومة إنتاج الغذاء. وتعتمد أيضا على قوة موقفهم ومدى قدرتهم على مواجهة
سيطرة الشركات العالمية الكبرى العاملة في مجال تجارة مستلزمات الانتاج (البذور
والسماد)، وتحكم الشركات الكبرى وكبار التجار فى مجال التسويق.
ولا يؤكد مفهوم السيادة الغذائية فقط على كمية المنتج وإنما أيضاً على
نوعيته، ويتبنى بالتالي قضية الحفاظ على البيئة وعلى التنوع البيولوجى، عن طريق
الحفاظ على أنواع البذور المحلية وحمايتها من الانقراض نتيجة الانتشار السريع
للبذور المهجنة والمعدلة وراثياً، التي تروج لها شركات البذور العالمية وهي بذلك
لا تجنى من ورائها أرباحاً طائلة فحسب، وإنما تتحكم بشكل فعلي في منظومة الغذاء
العالمية، من خلال احتكارها لإنتاج وتسويق البذور.
وتعتبر قضية “حماية الأصناف النباتية المستنبطة” ركن أساسي من أركان
السيادة الغذائية، حيث أن الاتفاقيات الدولية والتشريعات المحلية التي تحكم هذه
القضية تنحاز بالأساس لمصالح الشركات العالمية الكبرى، على حساب منتجي الغذاء
المباشرين، بما يتعارض مع المبادئ الأساسية للسيادة الغذائية.
“حماية”
من؟
أدى التقدم الهائل في مجال التكنولوجيا الحيوية إلى ثورة في مجال الإنتاج
الزراعي، صاحبها تخصيص استثمارات ضخمة من أجل ابتكار أصناف نباتية جديدة متميزة،
من حيث وفرة الإنتاج وموعد الحصاد وتحمل الجفاف والقدرة على مقاومة الآفات وغير
ذلك من الخصائص الفريدة. وقد أدى هذا بدوره إلى ظهور شركات عملاقة متعددة
الجنسيات، تسيطر سيطرة شبه كاملة على هذا النشاط. كل هذه العوامل أدت إلى سعي
الدول الكبرى إلى توفير حماية كافية للأصناف النباتية الجديدة، على المستوى الدولي
وتدعيمها.
لا يتعلق الأمر هنا بحماية الأنواع المهددة بالانقراض، وإنما بـ”حماية”
الأنواع المستنبطة؛ أي التي تم استحداثها، وهي غالباً ما تكون “أصناف” من النباتات
المزروعة، وقليلٌ منها من الحيوانات المستأنسة.
فمنطق الحماية في هذه الحالة هو في الحقيقة حماية للشركة التي استنبطت
الصنف، وليس حماية للنبات أو حماية للمزارعين الذين يستخدمون هذه النباتات
وبذورها. وسأحاول إيضاح أسباب رأيي في أن مصر والبلاد النامية ليس لها مصلحة
في الموافقة علي حماية الأصناف النباتية المستنبطة، لما له من تأثير سلبي على قضية
السيادة الغذائية
والسيادة الغذائية تتبنى بالذات قضية الحفاظ على البيئة، وعلى التنوع
البيولوجي عن طريق الحفاظ على أنواع البذور المحلية وحمايتها من الانقراض. لذا،
يظهر جلياً أن مسألة حماية الأصناف المستنبطة تحول دون تمكين المزارعين من تداول
البذور، وتجبرهم على الرضوخ لمنظومة الاحتكار التي تستفيد منها الشركات المهيمنة
على السوق. والحل المناسب لمصر هو الالتزام بحرية تداول البذور بشكل عام، و العمل
على تشجيع صغار المزارعين على الحفاظ على، واستخدام وتحسين، البذور المحلية
والأصناف “البلدية” الملائمة للمناخ والتربة، والتي لا تحتاج للأسمدة الكيماوية
التي ترهق التربة وتستنفذ الموارد المحدودة.
ماذا عن الوضع في
فلسطين؟؟
بناء"
على ما تقدم فالسيادة على الغذاء في فلسطين لا تعني فقط حق الشعب الفلسطيني في
الحصول على غذاء كاف ومتاح وامن وانما تعني حق الشعب الفلسطيني في انتاج غذائه
بنفسه وهذا يقودنا الى مفهوم اخر وهو السيادة على الموارد الطبيعية مثل الارض
والمياه وغيرها. اذا في ظل الاحتلال الاسرائيلي وعد السيطرة الكاملة على الارض
والحدود والسماء لا يمكن الحديث عن السيادة الغذائية وبالتالي انعدام الامن
الغذائي او عدم تحقيقه.
اذا
السياسة حاضرة بقوة أثناء الحديث عن السيادة الغذائية، فارتباطهما العضوي برز
واضحاً في التجربة الفلسطينية «تناول حق الشعب الفلسطيني في النفاذ إلى أرضه
واستثمارها، وكيف أنّه يناضل من أجلها، مؤكدةً ضرورة إشراك الشعوب في السيادة
الغذائية، لأن الأهم هو تعلّق أهل الأرض بأرضهم».
المصدر:
1- محمد حسن، مدى مصر، العدد ٦٩٨ الجمعة ١٢ كانون
الأول ٢٠٠٨، مقال، بدائل
i- هالة نايل بركات، مدى مصر
- د.عبدالغني حمدان واخرون، ممارسات الزراعة البيئية في فلسطين، 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق