تعتبر تطبيقات التكنولوجيا الحيوية ثورة
علمية وحضارية مميزة على مدى تقدم الشعوب, حيث أحرزت الدول المتقدمة انتصارات علمية كبيرة, وانجازات
مشهودة في هذا المجال، مما دعى دول أخرى إلى أن تحذو حذو تلك الدول, وتستفيد
من تطبيقات التكنولوجيا الحيوية في تنمية المجتمع. إن هذه التقنية تتطلب إمكانيات
علمية واقتصادية عالية في مجال الأبحاث والتجارب ألمخبريه, والحقلية, تأخذ أحيانا سنوات
عديدة. كما أنها تخضع لتقييم دقيق من عدة جهات مختصة بما فيها قواعد وإرشادات
وقوانين تهدف إلى سلامة الإنسان والحيوان والبيئة.
تعتمد تطبيقات التكنولوجيا الحيوية (Biotechnology) بشكل أساسي على عدة علوم مساندة من أهمها البيولوجيا الجزيئية (Molecular Biology)، الهندسة الوراثية (Genetic
Engineering),
و زراعة الأنسجة (Plant Tissue Culture).
أما فيما يتعلق بالمجال الزراعي, وتحديدا
الإنتاج النباتي, فان الحاجة إلى استخدام التكنولوجيا الحيوية, تزداد مع مرور
الوقت, نظرا للزيادة السكانية المطردة في العالم، وتناقص الرقعة الزراعية، مشاكل
ملوحة التربة، ونقص المياه والتصحر. هذا بالإضافة إلى التأثير الضار والخسائر
الفادحة التي تسببها الآفات مما يؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني والدخل القومي.
والجدير بالذكر, أن تكنولوجيا زراعة الأنسجة
النباتية, تعتبر بمثابة الخطوة المتوجة
للتكنولوجيا الحيوية، ولا يمكن المحافظة على مواد الإكثار, والأصول النباتية,
الهامة اقتصاديا للأصناف الجديدة, والمحسنة بيوتكنولوجيا, بدون معرفة وإتقان تكنولوجيا
زراعة الأنسجة النباتية تحديدا.
ما المقصود بزراعة
الأنسجة النباتية؟
زراعة الأنسجة النباتية
هي أحد فروع التكنولوجيا الحيوية, والتي يتم فيها زراعة الأجزاء النباتية الحية,
وقد تكون خلية أو مجموعة من الخلايا (نسيج), أو عضو نباتي (ورقة، ساق، جذر), على
بيئة غذائية مناسبة تحت ظروف معقمة.
وقد أهتم العديد من الباحثين في العالم خلال
الثلاثين سنة الأخيرة بتلك التقنية, وأجريت العديد من الأبحاث الأكاديمية مما أدى
إلى معرفة كيفية تكوين الأنسجة (Callosogenesis)، تمايز الأنسجة (Callus Differentiation) وتكوين الأعضاء ( Organogenesis) أو الأجزاء النباتية المفصولة من نبات الأم والمزروعة في البيئات
الصناعية، وفى الوقت الحالي انتشرت المختبرات والشركات التجارية التي تستخدم زراعة
الأنسجة في العديد من الدول.
لماذا زراعة الأنسجة
النباتية؟
إن لتقنية زراعة الأنسجة النباتية فوائد عدة
نذكر أهمها:
- إنتاج شتلات خالية من مسببات الأمراض أهمها الفيروسات: الفطريات،
البكتيريا و النيماتودا, مما ينعكس إيجابا على جودة وكفاءة التقاوي والشتلات.
- الحفاظ على الصفات الوراثية ومطابقتها لنباتات الأم.
- إنتاج أعداد كبيرة من تقاوي النباتات في مساحة محدودة مقارنة
بالطرق التقليدية.
- زيادة الإنتاجية من الشتلات الناتجة عن زراعة الأنسجة من 10% إلى 20%.
- يمكن الحصول على الشتلات بالكمية الكافية والسعر المناسب على مدار
العام.
- استخدام طريقة التمايزات الوراثية Somaclonal
Variation
وتعتمد على الاختلافات بين الخلايا, وخاصة عند تعرضها لظروف مختلفة مثل تعرضها
لمرشح فطرى لينتج خلايا مقاومة لهذا
الفطر.
- استخدام الطرق العلمية المختلفة لإحداث الطفرات (Mutation) مثل الإشعاع للخلايا, والأنسجة المزروعة, وانتقاء ما هو
مقاوم للأمراض.
ما هي مراحل إكثار
النباتات بطريقة زراعة الأنسجة؟
المرحلة الأولى: الحصول على النسيج النباتي (Callosogenesis) وزراعته في بيئة صناعية،
ومن ثم تمايز هذا النسيج (Differentiation) لتكوين النموات الخضرية
الجديدة (Morphogenesis) تحت ظروف التعقيم, ثم حفظه في حضانات تحت درجة
حرارة ورطوبة, وإضاءة معينة في المختبر، وتعتبر هذه المرحلة من أهم مراحل زراعة
الأنسجة (شكل1).
شكل( 1)
المرحلة الثانية: الحصول على
نباتات مكتملة النمو (Whole Plant) وإكثارها (Micropropogation) عن طريق زراعة النموات
الخضرية البدائية على بيئات أخرى لتشجيع تكوين الأعضاء والفروع الجديدة مع جذورها,
ويتم تكرار هذه العملية حتى نحصل على
النسخ المطلوبة من النباتات.
شكل(2)
المرحلة الثالثة: أقلمة ((Acclimatization هذه النباتات تدريجيا مع الظروف الخارجية وذلك بنقلها من الأنابيب
إلى التربة, حيث تزرع في أصص وأوعية صغيرة, تحتوى على تربة زراعية خاصة, وبعد ذلك
تكون النباتات جاهزة للتوزيع على المزارعين لزراعتها في الحقول.
مكونات البيئة المستخدمة في زراعة الأنسجة:
يجب الإشارة بأنه لا توجد بيئة تصلح لجميع أصناف النباتات, ويجب على الباحث أن يسلك طريق التجربة, للوصول لأفضل بيئة مناسبة للهدف المنشود, وبصفة عامة فالبيئة يجب أن تحتوي على:
أولاً : العناصر الأساسية الكبرى مثل: الكربون ( السكروز أو الجلوكوز ), والنيتروجـين ( نترات أو آمونيا ), فوسفور, كالسيوم, بوتاسـيوم, مغنيسيوم, كبريت, صوديـوم, كلـور, بالإضافة إلى الماء ( H2O).
ثانياً: العناصر الصغـرى مثل: البور ون, المنجنيـز, الحـديد ( في صورة EDTA ), اليود, الموليبيدينيوم, الكوبالت, النحاس والزنك.
ثالثا: الفيتامينات مثل: Pyridoxine ,Thiamine ,Nicotinic acid .
رابعاً: منظمات النمو مثل: الاوكسينات NAAأو 2.4-D , والسيتوكينيات مثل: الكينيتين وتتم عملية الصلابة للبيئة باستخدام الآجار الأكثر شيوعاً في الاستخدام .
وفى السنوات الأخيرة, انتشرت
تقنية زراعة الأنسجة, تجاريا على نطاق واسع, وأهم النباتات المستخدمة : الفراولة,
الموز, التفاح من الفاكهة, البطاطا, الباذنجان من الخضر, والنعناع من النباتات العطرية.
واقع زراعة
الأنسجة في فلسطين:
على الرغم من وجود بعض مراكز الأبحاث, في
مجال التقنيات الحيوية في فلسطين, مثل مركز اليونسكو للتقنيات الحيوية / جامعة بيت
لحم, و مختبر زراعة الأنسجة النباتية, لدى المركز الوطني الفلسطيني للبحوث الزراعية (وزارة الزراعة),
ووجود بعض الإمكانات المتواضعة, في مختبرات الجامعات الفلسطينية, إلا أنها غير
كافية للنهوض بإستراتيجية فعالة لتطوير تطبيقات التكنولوجيا الحيوية, بما فيها زراعة
الأنسجة بشكل يدعم الصناعة البيوتكنولوجية المحلية.
مستقبل زراعة
الأنسجة في فلسطين:
على غرار باقي الدول، فإن
فلسطين مدعوة إلى البحث في كيفية تنويع قاعدتها الاقتصادية, وتقويتها, عبر دعم
صناعات التكنولوجيا الحيوية, بما فيها زراعة الأنسجة. و نظرا لقناعتي الشخصية في
إمكانية تجنيد الموارد المالية, إذا تم إدارتها بشكل سليم, ووفرة الموارد البشرية في
فلسطين, وموقعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط، فهي قادرة على احتضان هذه الصناعة البيوتكنولوجية
الديناميكية الحديثة.
لذلك، يتعين على: الحكومة، رجال الأعمال، مراكز
التنمية الاقتصادية، مؤسسات البحث العلمي، الجامعات والمنظمات غير الحكومية, بلورة
خطة شاملة لتنمية هذه التكنولوجيا في إطار الشراكة بين جميع هذه القطاعات. ولاشك
أن خطة من هذا القبيل ستمكن من وضع إستراتيجية كفيلة بتحقيق نمو اقتصادي, واجتماعي
على المدى البعيد.
ومن أجل وضع إستراتيجية تنافسية طويلة المدى,
للتكنولوجيا الحيوية ذات طابع بحثي وصناعي ينبغي الأخذ بعين الاعتبار ما يلي :
- نوع المنتج, أو التطبيقات التي يجب على
التكنولوجيا الحيوية تطويرها, من أجل تبوء مكانة تنافسية.
- التشريعات والقوانين المساندة, التي يتعين على
القطاع العام اتخاذها.
- دراسة السوق المحلية والدولية لتسويق هذه
المنتجات.
- إنشاء تطوير البنية التحتية لمراكز البحث
العلمي.
- الشراكة بين القطاعين العام والخاص, في
ميدان نقل التكنولوجيا الحيوية.
- تطوير منهاج بيوتكنولوجي حديث.
د. عبدالغني حمـــدان
دكتوراه في فسيولوجيا النبات
الإغاثة الزراعية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق